العصر الجاهلي، فيحاولون تعليل ذلك بالإقليم، والاتصال بالفرس، واصطناع الحياة الحضرية التي كان يصطنعها أهل الحيرة".
نظر القدماء في شعر عديّ بن زيد، ووجدوا فيه سهولة، وعللوا هذه السهولة بوجه معقول، ونقدوه من حيث نسبته إلى عديّ، فعرفوا أن فيه مصنوعاً كثيراً، ونبهوا في كتبهم على هذا كله، قال ابن سلام في "طبقات الشعراء": "وعديّ بن زيد كان يسكن الحيرة ومراكز الريف، فلان لسانه، وسهل منطقه، فحمل عليه بشيء كثير، وتخليصه شديد، واضطرب فيه خلف، وخلط فيه المفضل فأكثر، وله أربع قصائد روائع، وله بعدهن شعر حسن". وذكروا في مميزات شعره أن فيه ألفاظاً ليست بنجدية، قال المرزباني في "كتاب الموشح": "إن الذي قعد بعديّ بن زيد عن شأو الشعراء ألفاظه الحيرية، وأنها ليست بنجدية. وعن المفضل؛ قال: كانت الوفود تفد على الملوك بالحيرة فكان عدفي بن زيد يسمع لغاتهم، فيدخلها في شعره". وروى صاحب "الموشح" عن الأصمعي: أنه قال: "عديّ بن زيد، وأبو دؤاد الإيادي لا تروي العرب أشعارهما؛ لأن ألفاظهما ليست بنجدية". وقال صاحب "الأغاني": لا تروي الرواة شعرهما؛ لمخالفتهما مذاهب الشعراء.
فالقدماء نقدوا شعر عديّ بن زيد من هذه الوجوه التي رأيتم، وإنما انفرد عنهم المؤلف بشيء لم يصلوا إليه، على الرغم من كونهم أقرب إلى عهد الانتحال منه، وهو أنه نسب ما حمل على عديّ من الشعر إلى النصارى، وليس له من شاهد سوى الرغبة في أن يضرب للشعر المنحول تحت تأثير عاطفة الدين مثلاً.