للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يرفعه: أن أبا عمرو بن العلاء قال: ما زدت في شعر العرب إلا بيتاً واحداً، يعني: ما يروى للأعشى من قوله: "وأنكرتني ... إلخ البيت". وهذه الرواية -على فرض صحتها- لا تدل إلا على أمانة أبي عمرو الثابتة بإجماع الرواة. قال ابن جنّي بعد حكايته ما سلف: أفلا ترى إلى هذا البدر الباهر، والبحر الزاخر، كيف تخلّصه من تبعات هذا العلم، وتحرّجه، حتى إنه لما زاد -فيه على سعته وانتشاره- بيتاً واحداً، وفّقه الله تعالى للاعتراف به؟!.

وجاءت القصة في "مراتب النحويين" لأبي الطيب اللغوي على وجه لا يصرح بأنه هو الذي زاده في شعر الأعشى، ولفظه: "ومما كتب به إليّ أبو روق الهمذاني البصري، قال: أخبرني الرياشي عن ابن مناذر، قال: قال أبو عمرو: أنا قلت:

وأنكرتني وما كان الذي نكرت ... من الحوادث إلا الشيب والصلعا

فألحقه الناس في شعر الأعشى، وكان سيد الناس، وأعلمهم بالعربية والشعر ومذاهب العرب".

وقد يمس قلبك بالريبة في أصل القصة أمران:

أحدهما: أن الأصمعي يقول في الحديث عنه: "وكان نقش خاتمه:

إن امرأً دنياه أكبر همه ... لمستمسك منها بحبل غرور

وهذا البيت له، وكان رجلاً صالحاً، ولا نعرف له شعراً إلا هذا البيت" (١). والأصمعي من أشهر الرواة الذين أخذوا عن أبي عمرو، فيخطر على البال أن بيت: "وأنكرتني ... إلخ" لو كان أبو عمرو هو الذي زاده


(١) "مراتب النحويين" لأبي الطيب.