أما المعقول، وهو ما يكتسب بالأدلة النظرية، فلا يترجح فيه رأي الأكثرية على الأقلية عند عالم نحرير، وكثيراً ما تكون الأقلية في هذا القسم على حق، وتكون الأكثرية على باطل.
وأما المشاهد، وهو ما يدرك بنحو السمع والبصر، فقد يحدثك عنه جمع كثير استوفى شرط التواتر، فيكون العلم الحاصل من هذا الحديث يقينياً، ويسقط بجانبه خبر الأقلية بلا مرية ولا نزل. فإن لم يستوف كل من الجمعين شرط التواتر، ترجح خبر أوفرهما صدقاً ونباهة، وإن كان أقلهما عدداً، فإن تساويا في الصدق والنباهة الكافية في ضبط حال المخبر عنه، وكان أحد الجانبين أكثر من الآخر عدداً، فهذا ما يمكن أن يكون موضع نظر أو خلاف، ومن فروع هذا: اختلاف الفقهاء في ترجيح بينة على أخرى بأكثرية شهودها، وكذلك اختلف الأصوليون في ترجيح الأخذ بحديث على الأخذ بحديث آخر؛ لأكثرية رواته.
ومن يذهب إلى أن للكثرة أثراً في الترجيح، يعتمد على أن ظنّ موافقة الكثرة للحقيقة يكون أقوى، واحتمال وقوع الغلط أو الكذب على العدد الكثير أبعد من احتمال وقوعه في العدد القليل. ولا ننسى أن المسألة مفروضة فيما لا يمكن الوصول إليه إلا من طريق الرواية، ولا يجد الناظر لتقديم أحد الخبرين على الآخر وجهاً غير هذه الكثرة.
وإذا رجعنا إلى علماء العربية، وجدناهم ينظرون في الترجيح إلى ثقة الراوي، فإن لم يجدوا لها ولا لغيرها من المرجحات سبيلاً، عادوا إلى الترجيح بكثرة الرواة كما يفعل جمهور الأصوليين.
وخلاصة هذا: أن الأقوال إما أن تكون من قبيل الرأي، والترجيح