ليس ببعيد من أنصار القديم أن يخالفوا في أن هذين البيتين قلقان، ويروا أنهما بالنظم المألوف أشبه منهما بتكلف المشطر والمخمس. وقد يستدلون على براءتهما من هذا القلق والتكلف بأنهما مرّا على فصحاء العرب ونقاد الأدب، ولم يحسوا منهما بشيء من هذا الذي يرميهما به المؤلف، وربما ساقوا من كتب الأدب ما يشهد بأن هذه الأبيات كانت تقع منهم موقع الإعجاب، ويضربون لها أرجلهم طرباً.
حكى المرزباني في كتاب "الموشح"(١): أن مَسلمة بن عبد الملك أنشد قول امرئ القيس:
وليلٍ كموج البحر أرخى سدوله ... عليّ بأنواع الهموم ليبتلي
فقلت له لما تمطى بصلبه ... وأردف أعجازاً وناء بكلكل
إلى قوله في البيت الخامس لها:"بأمراس كتّان إلى صمّ جندل", فضرب الوليد برجله طرباً. وأورد الباقلاني في كتاب "الإعجاز" هذه الأبيات الثلاثة، وقال: إنهم يعدونها من محاسن القصيدة، وكان بعضهم يعارض هذا بقول النابغة:
كليني لهمّ يا أميمة ناصب ... وليل أقاسيه بطيء الكواكب
تطاول حتى قلت ليس بمنقضٍ ... وليس الذي يتلو النجوم بآيب
وقد جرى ذلك بين يدي بعض الخلفاء، فقدم أبيات امرئ القيس، واستحسن استعارتها. والباقلاني -على وقوفه لهذه الأبيات موقف الناقد بكل ما لديه من نظر وذوق- لم يغمزها إلا من جهة استعارتها، فوصفها بالتكلف،