للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فقد حقق أنها مصنوعة على طرفة، وإنما هي لبعض العباديين (١).

وألقوا على هذه المعلقة نظراً خاصاً، فدلوا على موضع اختلاف الروايات، ونبهوا على ما جاء زائداً في رواية؛ كبيت:

جمالية وجناء تردي كأنها ... سفنجة تبرى لأزعر أربد

ورووا لنا ما يدل على أن هذه القصيدة كانت معروفة في الجاهلية، ومنظوراً إليها بعين الإكبار والإعجاب، وهو أن عدة من شعراء الجاهلية عارضوها، فما أتوا بمثلها ولا شبهها (٢).

فبلوغهم في نقد شعر طرفة هذا المبلغ يبعدنا عن قبول هذا الذي يزعمه المؤلف، ويخفف على ألسنة الأدباء أن يقولوا عند إنشاد شيء من هذه القصيدة: قال طرفة بن العبد.

وكان المؤلف زهي بأبيات اللهو والإلحاد، وملكه حال جعله يقول عن صاحب القصيدة: ولست أدري: أهو طرفة أم غيره؟. وكان مقتضى دليله اللغوي أن يدري أنه غير طرفة، ولكن هذا الدليل اللغوي قد نقضه بقصيدتي علقمة، ومناقضة الكاتب للدليل يورده على المسألة أمارة على أنه سمعه من ناحية، وأقبل يحكيه في ناحية أخرى، ولو توّلاه بقريحته، وعالجه بفكره، لما أدركه نسيانه على عجل، وشأن أمثال المؤلف أن يكونوا أبعد الناس عن النسيان.

* * *


(١) "كتاب سيبويه" (ج ١ ص ٢٣٧).
(٢) "اختيار المنظوم والمنثور" لأبي الفضل أحمد بن أبي طاهر.