لا نريد أن نستشهد بهذا على أن القصيدة معدودة من مختار الشعر، وأنها مما يرغب البلغاء في أن تكون من بنات قرائحهم، ولكن شهرة القصيدة في عهد الفرزدق وأبي عمرو بن العلاء تدل على أن منشئها عربي فصيح، وإذا كان العربي الفصيح قد يتكلف القافية، فليكن طرفة من هذا القبيل، ولا يكون تكلف القافية في هذه القصيدة أمارة على أنها محمولة عليه.
وأما اضطراب الرواية بوضع آخرها في أولها، فإن دل على شيء، فهو قدم عهد القصيدة بالنظر إلى عهد التدوين.
قال المؤلف في (ص ١٧٩): "وللمتلمس قصيدة أخرى ليست أجود ولا أمتن من هذه، ولعلها أدنى منها إلى الرداءة، وهي التي مطلعها:
ألم تر أن المرء رهن منية ... صريع لعافي الطير أو سوف يرمس
فلا تقلبن ضيماً مخافة ميتة ... وموتن بها حراً وجلدك أملس
ويقول فيها:
وما الناس إلا ما رأوا وتحدثوا ... وما العجز إلا أن يضاموا فيجلسوا"
ساق المؤلف هذا البيت الأخير على الوجه الذي انتقده علماء الأدب؛ لأنه أقرب إلى ما يرمي به القصيدة من الرداءة.
قال أبو هلال: الرواية الجيدة ما رواه أبو عمرو:
وما البأس إلا حمل نفسي على السرى ... وما العجز إلا نومة وتشمس
فجعل البأس بإزاء العجز، والسرى بإزاء القعود، فأما قوله في الرواية الأولى: فما الناس إلا كذا، وما العجز إلا كذا، فغير جيد (١).