للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

له بأنهم أدركوا في فن السياسة شأواً بعيداً، ولم يكن حظهم منها أقل من حظ دارسي كتابي "الجمهورية"، و"السياسة".

ولا أسرد في هذا المقام شيئاً من الآيات والأحاديث التي تعد في مبادئ السياسة المثلى؛ فإنها مقروءة بكل لسان، ومشهود لها بالحكمة من كل ذي عقل، وإنما أسوق من أثر أولئك العظماء كلمات أضربها كالمثل؛ ليتبين القارئ ماذا نريد من تلك الكلم النوابغ، وليعرف أن رجالاً في الإسلام أحرزوا في السياسة القدح المعلى، ورموا عن قوس لم تكن من صنع أفلاطون، ولا أرسطو، فأبعدوا المرمى، وأصابوا الغاية.

أريد من تلك الكلم النوابغ أمثال قول عمر بن الخطاب -لما قيل له: إنك تستعين بالرجل الفاجر-: "إني لأستعين بالرجل لقوته، ثم أكون على قفّانه" (١). وقول أبي سفيان (٢) لعثمان (٣) - رضي الله عنه - حين همّ أن يردّ إليه مالاً صادره عمر بن الخطاب، ووضعه في بيت المال-: "لا تردّ على من قبلك، فيرد عليك من بعدك".

وقول عمر بن عبد العزيز -حين قال له ابنه عبد الملك (٤): مالك


(١) القفّان: الأثر؛ أي: أكون على تتبع أمره، فكفايته تنفعني، ومراقبتي له تمنعه من الخيانة- "نهاية ابن الأثير"، مادة: "قفن".
(٢) صخر بن حرب بن أمية (٥٧ ق. هـ ٣١ هـ = ٥٦٧ - ٦٥٢ م) من سادات قريش في الجاهلية، وأسلم يوم فتح مكة. توفي بالمدينة.
(٣) عثمان بن عفان بن أبي العاص (٤٧ ق. هـ - ٣٥ هـ = ٥٧٧ - ٦٥٦ م) ثالث الخلفاء الراشدين، ولد بمكة، وقتل بالمدينة المنورة.
(٤) عبد الملك بن مروان بن الحكم (٢٦ - ٨٦ هـ = ٦٤٦ - ٧٥٥ م) الخليفة الأموي.=