خفقت ريح الفلسفة في بعض البلاد الشرقية؛ كمصر، والهند، وجالت في أندية اليونان أمداً بعيداً، وما برحت تتلقى من أفواه الأساتذة، وتلتقط من صحائف المؤلفين، إلى أن طلع كوكب الهدي الإسلامي، وتدفقت أشعته على البصائر النقية، فلم تلبث الفلسفة أن التقت في أوائل عهد الدولة العباسية بذلك التعليم السماوي، والتحقت بالعلوم الخادمة له في تأييد قواعد السياسة ونظام الاجتماع.
لا يذهب إلى أن الإسلام يتجافى عن الفلسفة، سوى رجل التقم ثدي الفلسفة، وشبّ في أطواقها، ولم ينظر في حقائق هذا الدين ببصيرة وروية، أو مسلم لم يخض غمار المباحث الفلسفية، وحسب أن جملتها قضايا باطلة، ولا سيما حيث لا يترامى إليه من أبوابها سوى نبذة من الآراء المنكرة على البداهة.
في الفلسفة قضايا تثق بها العقول الراجحة، وتنهض بجانبها الأدلة القاطعة، وهذه لا تصادم شيئاً من نصوص الدين الواردة في كتاب أو سنّة ثابتة، والذي لا يلتقي مع هذه النصوص إنما هو بعض آراء لم تقم على مشاهدة أو نظر حكيم، وقد ضاعت في شعاب هذا النوع قلوب فئة استخفهم الغرور إلى أن يلقبوا بالفلاسفة، وتخيلوا أن هذا اللقب لا يحرزه إلا من آمن بكل ما يلفظ به الغربيون، فتطوح بهم التقليد الجامد إلى القدح في نصوص الشريعة، أو التعسف في تأويلها.
خرجت الفلسفة على علماء الإسلام، وقد اعتادت أنظارهم التقلب في مسالك الاجتهاد، وتمحيص ما يقع إليها من الآراء، فبسطوا إليها أيديهم،