للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولو كانت الفاصلة بين الرؤوس والأعناق. وقد سمّى عمر - رضي الله عنه - مبايعته فلتة؛ لأنها لم تكن بعد إنهاء المشاورة.

قال ابن تيمية في "منهاج السنة" (١) شارحاً هذا الأثر: "ومعناه: أن بيعة أبي بكر بودر إليها من غير تريث ولا انتظار؛ لكونه كان متعيناً لهذا الأمر كما قال عمر: ليس فيكم من تقطع إليه الأعناق مثل أبي بكر. وكان ظهور فضيلة أبي بكر على من سواه، وتقديم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - له على سائر الصحابة أمراً ظاهراً معلوماً، فكانت دلالة النصوص على تعيينه تغني عن مشاورة وانتظار وتريث؛ بخلاف غيره؛ فإنه لا تجوز مبايعته إلا بعد المشاورة والانتظار والتريث".

ومع كونها فلتة، لا تجعل مبايعة أبي بكر مأخوذة بالقهر والغلبة، وتخلف بعض المهاجرين أو الأنصار عن البيعة حيناً الزمن، لا يخل بانعقادها، ولا يسلب عنها أن تكون مبايعة اختيارية؛ إذ المدار على رأي الأغلبية، وهي محل الاعتبار في سائر القوانين الدستورية، ولا شك أن الأكثرية الساحقة يومئذٍ بايعت أبا بكر عن رضا واختيار، ولو جرى الانتخاب بطريق الاقتراع السري على العادة المألوفة اليوم، لم يفز بالإمامة غير أبي بكر الصديق - رضي الله عنه -.

وأما عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -، فقد عهد إليه أبو بكر الصديق بالخلافة، وبايعه المسلمون بعد وفاة أبي بكر، فصار إماماً لما حصلت له القدرة والسلطان بمبايعتهم" (٢).


(١) (ج ٣ ص ١١٨).
(٢) "منهاج السنة" لابن تيمية (ج ١ ص ١٤٢).