للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

واتفاق مذاهب العلماء قاطبة".

فالتحقيق: أن مخالفة هذه الطائفة في قضية الخلافة لا يعتد بها، وليس لها في الطعن على الإجماع من أثر، ولا نجعل أقوالهم لاغية لكونهم من الطوائف التي يراها أهل السنّة على غير حق؛ فإن خلاف أمثالهم في الأحكام الشرعية يمنع من انعقاد الإجماع؛ كما هو المختار عند الغزالي (١)، والآمدي، وغيرهما، وإنما نصرف النظر عن مخالفتهم هذه لوجهين:

أحدهما: أن خلافهم طرأ بعد انعقاد الإجماع ممن تقدمهم على وجوب نصب الإمام، وحدوثُ قول بعد انقراض العصر الذي انعقد فيه الإجماع على حكم شرعي مردودٌ على وجه صاحبه.

ثانيهما: أنهم قيدوا مخالفتهم بحال، وعلقوها على أمر لم تجر به السنن الكونية في هذه الحياة، وهو تواطؤ الأمة على العدل، وتنفيذ أحكام الله فيما بينهم، وهذا التواطؤ مما دلت التجارب والمشاهدات الطويلة على أنه خارج عن طبيعة البشر، إلا أن ينقلب الناس ملائكة لا يعصون الله ما أمرهم، ويفعلون ما يؤمرون.

والأشبه أن يكون خارق الإجماع في مثل هذا الحكم الواضح مدفوعاً بهوى يعمى عليه الدليل الساطع، وكذلك نقل أَبو منصور البغدادي ما يؤيد أن الأصم كان يخرق الإجماع استسلاماً لأهوائه، فقال في كتاب "الفَرْق بين الفِرَقْ ": "قال -يعني: الأصم -: لا تنعقد-أي: الإمامة -إلا بإجماع


(١) محمد بن محمد الغزالي (٤٥٠ - ٥٠٥ هـ = ١٠٥٨ - ١١١١ م) أَبو حامد، حجة الإسلام، الفيلسوف المتصوف، ولد وتوفي في الطابران بخراسان. له نحو مئتي مصنف.