الإيجاز" أيضاً عن كتاب "تخريج الأدلة السمعية"، من أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أرسله قاضياً إلى الجند من اليمن، يعلّم الناس القرآن وشرائع الإسلام، ويقضي بينهم، وجعل له قبض الصدقات من العمال الذين باليمن. ثم نقل ما رواه البخاري؛ من أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث أبا موسى، ومعاذ بن جبل إلى اليمن، وقال لهما: "يسرا ولا تعسّرا، وبشّرا ولا تنفّرا". ونقل بعد هذا حديث البخاري الذي يتضمن: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لمعاذ: " إنك ستأتي قوماً من أهل الكتاب، فإذا جئت، فادعُهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله محمداً رسول الله ... إلخ". ثم نقل ما أورده زيني دحلان (١) في "السيرة النبوية"؛ من أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعث أبا موسى الأشعري، ومعاذ بن جبل إلى اليمن، وروى ما أخرجه أحمد، وأبو داود، والترمذي، وغيرهم من حديث معاذ، الذي يتضمن: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما بعثه إلى اليمن، قال له: "كيف تقضي إذا عرض عليك قضاء؟ "، قال: أقضي بكتاب الله، قال: "فإن لم تجد في كتاب الله؟ "، قال؛ فبسنّة رسول الله، قال: "فإن لم تجد في سنّة رسول الله، ولا في كتاب الله؟ "، قال: أجتهد رأيي، ولا آلو.
بعد أن حكى المؤلف هذه الأخبار والأحاديث.
قال في (ص ٤٤): "تلك الروايات المختلفة التي قصصنا عليك نموذجاً منها، تريك كيف يسوغ لنا أن نستنتج ما قلناه من أنه لا تتيسر الإحاطة بشيء كثير من أحوال القضاء في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وها أنت ذا قد رأيت كيف اختلفت الرواية عن حادثة واحدة بعينها، فَبَعْث علي إلى اليمن يرويه أحدهم أنه
(١) أحمد بن زيني دحلان (١٢٣٢ - ١٣٠٤ هـ = ١٨١٧ - ١٨٨٦ م) فقيه ومؤرخ، ولد بمكة، وتوفي بالمدينة المنورة. من مؤلفاته: "السيرة النبوية".