للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أو فيمن يليق، فقد يتفق الناس على أن الرياسة العامة غير منفصلة عن الدين، ويختلفون في تعيين من يتولاها وكفايته لها اختلافاً ناشئاً عن تفاوت في النظر، أو هوى في النفس. ومن شأن المؤمنين التنافسُ فيما يكون عمله أشق، وثوابه عند الله أوفى، فلا عجب أن يقع التنافس في الخلافة، أو لا يرضى أحد عن ولاية شخص بعينه، مع اتفاقهم جميعاً على أنها سياسة ذات صبغة دينية.

قال المؤلف في (ص ٩٤): "وما زعم أبو بكر ولا غيره من خاصة القوم أن إمارة المسلمين كانت مقاماً دينياً، ولا أن الخروج عليها خروج على الدين".

ربما لم يخطر على بال أحد التردد في أن إمارة المسلمين مرتبطة بالدين حتى يحتاج أبو بكر إلى التصريح بذلك، ومع هذا، فإن خطبته التي ألقاها في مشهد المبايعة العامة ناطقة بهذا المعنى؛ إذ يقول فيها: "لا يدعْ أحد منكم الجهاد في سبيل الله؛ فإنه لا يدعه قوم إلا ضربهم الله بالذل، ولا تشيعُ الفاحشة في قوم، إلا عمّهم الله بالبلاء. أطيعوني ما أطعتُ الله ورسوله، فإذا عصيت الله ورسوله، فلا طاعة لي عليكم (١) ". فقد آذنهم بأنه سيجاهد في سبيل الله، ولا معنى لإطاعته الله ورسوله إلا اقتداؤه بما جاء في الكتاب والسنة من آداب وأحكام.

والخروج على الخليفة بغير حق يعد في نظر الشارع معصية، ولا يسمّى خروجاً على الدين، إلا إذا صح أن يقال لكل مرتكب جريمة: إنه خارج على الدين، وهم لا يقولونه إلا لمن يرتكب المعصية على عمد واستحلال.


(١) "تاربخ ابن جرير" (ج ٣ ص ٢٠٣).