جاذبية، فلا غرو أن يختاره الصدّيق، وهو الناهض بدولة حادثة، يريد أن يضم أطرافها بين أعاصير من الفتن، وزوابع من الأهواء العاصفة المتناقضة، ويين قوم حديثي العهد بجاهلية، وفيهم كثير من بقايا العصبية، وشدة البداوة وصعوبة المراس، لكنهم كانوا حديثي عهد برسول الله - صلى الله عليه وسلم -، والخضوع له، والانقياد التام لكلمته، فهذا اللقب جدير بأن يكبح من جماحهم، ويلين بعض ما استعصى من قيادهم. ولعله قد فعل".
بحث المسلمون في تاريخ أولئك الرجال المشهود لهم بالصدق فيما يقولون، والإخلاص فيما يفعلون، وقلبوه ظهراً لبطن، فلم يجدوا فيهم من يخادع الناس بالألقاب الدينية، ووجدوا كثيراً منهم لا ينخدعون لمظاهر المرائين، أو بهرج المحتالين، فأبو بكر أفضل من أن يخاع الناس بلقب: "خليفة رسول الله"، وأمةٌ فيها عمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، أعقل من أن تنخدع للقبٍ لا ينطبق على معنى في صاحبه، وأتقى لله من أن تترك الألقاب الدينية تُنصب حبائل لاصطياد أغراض دنيوية، ورياسة ملكية.
ولو طالع المؤلف تاريخ أولئك الرجال بالعين التي طالع بها كتاب العلامة (المستر أرنولد)، لعرف أن في نفس الصدّيق شيئاً فوق "ما تستعد به شعوب البشر لأن يكونوا سادة ومستعمرين"، وذلك الشيء: يقينه بأن الله سيظهر دينه، وأن حركة الارتداد سحابة صيف لا تلبث أن تتقشع، يدرك هذا كل من وقف برهة على حالته النفسية، أو أطل عليها من الكلمات التي كانت تصدر عنه في ذلك الشأن.
وقع إلى المسلمين نبأ الفساد الذي ضرب في القبائل العربية، قبل مسير جيش أسامة إلى بلاد الروم، فقالوا لأبي بكر: "إن هؤلاء جلّ المسلمين،