وينفخ فيها من روح الباطل، ثم يرسلها على النفوس الزاكية؛ لتخمش وجه عقائدها وآدابها.
ومن أجرأ تلك الجمل: قوله: "ولعل جميعهم لم يكونوا في الواقع مرتدين كفروا بالله ورسوله".كأنه يريد أن يجعل عدم ارتداد جميعهم رأياً ظهر له وحده، مع أن علماء الآثار والتاريخ يقولون: إن من قاتلهم أبو بكر طائفتان: طائفة تبدلت الكفر بعد الإيمان، وهؤلاء المرتدون، وأخرى قالت: نقوم بشرائع الإسلام إلا الزكاة، وهؤلاء يسمونهم:"مانعي الزكاة"، وهم الذين عارض الفاروق لأول الأمر في قتالهم.
وأما أن محاربة أبي بكر في سبيل الدين ووحدة المسلمين، فلأنه قاتل فرقتين يوجب عليه الدين أن يقاتلهما، وهما: أهل الردة، ومانعو الزكاة.
أما أهل الردة، فقد قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ}[المائدة: ٥٤]، ولقتال المرتد حِكَم، منها ما نعلم، ومنها ما لا نعلم، والذي نعلم: أن المشاهدة الطويلة، والتجارب الصادقة أرتنا أن أشد الطوائف عداوة للامة الإسلامية، وأحرصهم على محاربة الدين بما ملكوا من كيد وتضليل، هم الذين جاهروا بالخروج على الدين، وناصبوه العداء بعد أن كانوا يسمون أنفسهم المسلمين، ودلّ الاختبار الصحيح على أن المرتد عن الدين لا يمشي إلا مكبّاً على وجهه، فلا يرعى للفضيلة عهداً، ولا للناس حقاً، ولا ترى له من شأن سوى أن يقذف في طريق تقدّم الإنسان، وانتظام حال الاجتماع سموماً قاتلة للعفاف والسكينة، وكذلك يجب إماطة الأذى عن الطريق.