الخضر حسين في القاهرة، ولا أقول: إنها الحركة الوحيدة العاملة في ميدان الجهاد المغربي، أو إنها المنفردة بانتزاع الاستقلال من براثن الفرنسيين، بل نسجل بكل تواضع أنها عمل مجيد صنعه رجال أمجاد، فاستحقوا من الوطن كل تعظيم وإعزاز.
ومن المفيد للتاريخ التونسي وكاتبيه ومؤرخيه ومصنفيه ومنصفيه أن أعرض في هذا الكتاب لمحات عن جهاد الإمام محمد الخضر حسين، ودوره الكبير في الحركة الاستقلالية التونسية والمغاربية والإسلامية. وأقول:
من أبرز وأهم ما يتصف به الإمام محمد الخضر حسين في حياته المباركة: تعدد المواهب والخصائص التي كرمه الله بها، وهي ميزات جليلة يضعها الله في بعض عباده الصالحين المخلصين؛ ليكونوا القدوة في كل موهبة تساموا بها إلى أعلى الدرجات علماً وعملاً، وليكونوا مثالاً في عصرهم يحتذى بهم -فيما بعد- من الأجيال التي تحمل رسالة الإسلام، الرسالة التي ستبقى منار العلم إلى يوم الدين ....
فإذا قيل: إنه داعية إسلامية مصلح، وإذا قيل: إنه فقيه عليم، وإذا قيل: إنه مفسر محدّث حافظ، وإذا قيل: إنه شاعر كاتب ناقد، وإذا قيل: إنه لم يسلك إِلا طريق الجهاد في الإسلام، وإذا قيل: إنه جمع في فكره النيّر كل المعاني السامية في الحياة الدنيا والحياة الآخرة، وضم بين أصابعه قلماً عبقرياً يجول في كل ميدان خدمة للإسلام.
كل هذه الأقوال الصادقة نجدها في صحف الإمام وسيرته - رضوان الله عليه -.
في هذه المقدمة لكتاب "جبهة الدفاع عن أفريقيا الشمالية -صفحات