ونقل البلاد إلى الجنسية الفرنسية من عروبتها وإسلامها، وتحويل المساجد إلى ثُكنات عسكرية، وجعل شعوبها في مذلة ومهانة الاحتلال البغيض، بعد أن كسرت فرنسا الأقلام الحرة، وكممت الأفواه، ولم تعد الآذان تسمع إِلا قرقعة السلاح، والدعوات إلى اعتناق الأفكار الأجنبية الخبيثة، وطرح مكارم الأخلاق، وفي اعتقادهم أن هذا الأسلوب يقود المغرب إلى أن يصبح قطعة من فرنسا، ولم يعلموا -قاتلهم الله- أن القرآن حافظ للغة، وأن الإسلام سيبقى إلى اليوم المشهود. نظر إلى هذا كله، فلم يطق صبراً، وخفقت الروح بين جنبيه تدعوه إلى العمل (١).
والإمام أكثر الناس شعوراً بإرهاب فرنسا وتعذيبها وجرائمها، وقد لاحقته من مطلع حياته في تونس، إلى دمشق، وإستنبول، وبرلين، ثم إلى دمشق والقاهرة، وحكمت عليه بالإعدام، وأمرت بمصادرة أمواله في تونس "ولم تكن لديه أموال".
لبت الجاليات المغربية دعوته المباركة، والتفت حول الإمام في مشهد رائع، وأنشأ جبهة تدعى (جبهة الدفاع عن أفريقية الشمالية)، ومقرها في
(١) من كتاب "من الفكر والقلب" للدكتور محمد سعيد رمضان البوطي يقول تحت عنوان: "محمد الخضر حسين عالم فذ ومجاهد من الرعيل الأول": "كان كأنما يستشعر دائماً أنه لم يخلق لنفسه، وإنما للإسلام، والروح التي تخفق بين جنبيه لم يكن يشعر أنها شيء آخر غير روح الإسلام التي يجب أن تظل خفاقة في عالمه الذي يعيش فيه، ولذا فقد كان يلتمس في الدعوة إلى الحق والثورة على الباطل وإنارة سبل الإسلام غذاء حياته، وراحة نفسه، تماماً كأي شخص يبحث عن هذه الراحة في لقمة الطعام، وجرعة الماء، وأسباب الدنيا".