فينهضون لمكافحته بما في أيديهم من قوة، وييذلون في سبيله دماءهم الغالية، ولا يبالون في كفاحهم ما تفعله بهم تلك الحكومة الباغية من تنكيل وتقتيل.
وأقرب كفاح دفعهم إليه دافع الغيرة على حريتهم المسلوبة، وحقوقهم المهضومة، هذه الثورات التي قاموا بها منذ أشهر، بعد أن أشعروا فرنسا بأن صبرهم على عدوانها قد نفد، وانهم لا يرضون إِلا أن يعيشوا كما تعيش الأمم ذات التاريخ المجيد في عزّة وكرامة.
كانت تلك الشعوب العربية تحسب أن انهزام الفرنسيين أمام الجيش الألماني، وابتلاءهم بسيطرة الأجنبي على بلادهم، وتجرّعهم غصص الإهانات في ديارهم، قد يذكرهم حال الشعوب التي يدوسون كرامتها بنعالهم، فيخففون من غلوائهم، ويعودون إلى رشدهم، ويقفون في مفاوضة أولئك العرب موقف الحريص على أن يتساوى الناس في الحرية تساويهم في التمتع بالهواء الطلق، وضياء الشمس، ولاسيما شعوباً ساقت منهم جيوشاً كثيرة إلى مواقع القتال، ويذلوا دماءهم في الدفاع عن بلادها، ولكن فرنسا نهضت بفضل الحلفاء من نكبتها، وبدل أن يكون لها في تلك النكبة موعظة، تتحول من عقليتها العتيقة إلى عقلية تحترم المنطق السليم، ولا تجاري الأهواء الجامحة بها إلى غير سبيل، عادت إلى ما عرفت به من معاملة تلك الشعوب معاملة من لم يعترف بأن لهم حقاً في الحياة.
ففرنسا الحديثة كفرنسا القديمة، تستأثر بخيرات شمال أفريقية، وتصدرها إلى أوطانها، وتدع رجال تلك الأقطار وولدانهم يتساقطون موتاً في الطرقات، حيث لا يجدون من القوت ما يسد رمقهم.
وفرنسا الحديثة استأنفت العمل لقلب جنسية أولئك العرب إلى جنسية