ثم هجمت على المغرب الأقصى (مراكش) منذ ثمان وثلاثين سنة، واحتلتها بمعاهدة اضطر السلطان عبد الحفيظ لتوقيعها، وتجاوزت حدود المعاهدة، وأخذت تفعل في البلاد ما فعلت في تونس من الاستبداد وتصريف شؤون البلاد، على قاعدة تثبيت قدم الاستعمار، وإيثار أبناء جلدتها بكل ما تجود به أرض ذلك القطر من خيرات.
لا يسع المقام لأن نبسط القول في اضطهاد فرنسا لأولئك العرب المسلمين، وعملها الليل والنهار لأن يعيشوا في فاقة وجهالة وتفريق كلمة، بل تعمل في غير مبالاة لإخراجهم من دينهم الإسلامي إلى ملّة غير إسلامية، ومن قوميتهم العربية إلى الجنسية الفرنسية، ذلك أنها تشعر بأن الثراء والعلم واتحاد الكلمة أساس الرقي إلى الحرية والعزة، وتشعر بأن الأمة التي تدين بالإسلام، وتستضيء بهدي القرآن لا تخضع إِلا لسلطان يحترم ديانتها، ويسوسها بنظم شريعتها، ولا ترضى إِلا أن تستعيد سيادتها، وتتمتع باستقلالها.
وعرب شمال أفريقيا -وإن وضعت فرنسا بينهم وبين الشرق حواجز، واتخذت كل ما استطاعت من وسيلة لقطعهم عن العالم الإسلامي- فإن بطولتهم واعتزازهم بسالف مجدهم لازالا ولن يزالا ينهضان بهم إلى المطالبة بحريتهم، واقتحام الثورات الدموية في سبيل هذا الطلب، لا يبالون ما تصبه عليهم فرنسا من عذاب التقتيل والتنكيل والزجّ في السجون.
وقد قدمت جبهة الدفاع عن أفريقيا الشمالية إلى جامعة الدول العربية مذكرات أودعتها جانباً كبيراً من فظائع الاحتلال الفرنسي لتلك البلاد، وتلقى رجال الجامعة هذه المذكرات بعناية، وأصبحت قضية أولئك العرب الأبطال مشمولة بأنظارهم؛ كما تنبئ بذلك تصريحاتهم، ونرجو أن يكون لهذه