وحيث إن هذه الاعتداءات قد نشأ عنها نظام إداري مضطرب، لا هو إلحاق، ولا حكم ذاتي؛ فقد ضاعت فيه الأصول التشريعية، وتلاشت فيه المسؤوليات.
وحيث إن الدولة الحامية سلكت منذ بداية عهد الحماية سياسة تفقير؛ بتجريد الشعب التونسي من أخصب أراضيه، وبمنح الموظفين -وكلهم فرنسيون- أكثر من ثلث ميزانية لا مراقبة عليها، مستندة على نظام جبائي على اعتبار العدد لا الثروة، وبإخضاع البلاد التونسية لسياسة مالية وقمرقية مضرة بالاقتصاد التونسي بدون أن تفيده في مبادلته مع البلاد الأجنبية.
وحيث إن هاته السياسة كانت سياسة تعمير البلاد بالفرنسيين معمرين وموظفين، ومن طريق التجنيس الذي بعد أن فتح في وجه التونسيين، والمالطيين، والروس الملوكيين من أتباع -فرانجيل- واللاجئين الإسبان، صار يستميل الإيطاليين حتى اليوم لتنمية عدد المواطنيين الفرنسيين بالنسبة لعدد التونسيين قصد تجريد البلاد صبغتها التونسية.
وحيث إن التونسيين قد حرموا في بلادهم من الحريات الأولية -حريات التفكير، والنشر، والقول، والاجتماع، والتجول-، حتى إن ٦٥ سنة التي مرت على الحماية قضى منها التونسيون أكثر من ٢٠ سنة تحت الحكم العسكري العرفي، والبقية تحت رقابة البوليس.
وحيث إن الإسراف المالي الذي أوجبه هذا التعمير الفرنسي الجائر، قد أعجز الحماية عن الوفاء بواجباتها الاجتماعية نحو المسلمين في ميادين التموين والسكنى والصحة العامة والتعليم.
وحيث إن ذلك قد أدى بالدولة الحامية إلى إهمال كل ما يتعلق بتحسين