ولم يكتف الشارع في دعوته برعاية الروابط الكبرى؛ كرابطة الإنسانية، ورابطة الدين، فاتجه إلى الروابط الصغيرة؛ كرابطة النسب، ورابطة الجوار اتجاهاً خاصاً، ذلك أن هذه الروابط كحلقات في سلسلة كبيرة هي رابطة الأمة، وكمال السلسلة الكبيرة وقوتها في سلامة الحلقات ومتانتها.
وموضوع حديثنا الليلة -أيها السادة- هو البحث عن حقوق رابطة من هذه الروابط؛ أعني: رابطة الجوار.
يطالب الإنسان بأن يكف الأذى عن كل إنسان، ويقضي حاجة كل ذي حاجة ما استطاع، ويحسن كما رأى للإحسان موضعاً، وتتأكد المطالبة بهذه الحقوق إن كان ذو الحاجة أو المستحق للإحسان يعيش معك على قطعة صغيرة من الأرض، وقد اكتسب منك لقباً؛ إذ يضيفه الناس إليك، ويقولون: هذا جار فلان.
فالمروعة تقضي على الإنسان بأن يوجه إلى ذوي الجوار عناية خاصة، ويجعلهم في مقدمة من يرعى حقوقهم، ويسعى لقضاء مآربهم.
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه"؛ أي: ظننت أنه سيبلغني عن الله الأمر بتوريث الجار من الجار. وهذه كلمة جامعة بالغة؛ فإن الوصاية بالجار تشمل كف الشر عنه، وإسداء الخير إليه، وقوله:"حتى ظننت أنه سيورثه" يدل على أن الوصاية بالجار كانت على جانب عظيم من التأكد، والحث على رعاية حقوقه، وما زال الناس في كل عصر يدعون إلى رعاية حقوق الجار؛ كما قال يزيد بن الحكم الثقفي يعظ ابنه: