المكاره، وتهيئها للثبات والمواظبة على صالح الأعمال في سائر أيام السنة.
فمن اتقى في شهر رمضان بعض المحارم، ورأيته يصوم مع الصائمين، ويصلي مع المصلين، حتى إذا انقضى هذا الشهر، جعل يتباطأ عن أداء الواجبات، ويبادر إلى ما كان يتقيه من المحرمات، فذلك الذي أقام أعماله على غير إخلاص، ولم يخالط قلبه بشاشة الاستقامة على ما أمر الله.
تكثر الطاعات في رمضان، فيكثر الثواب، وتقل فيه المعاصي، فيقل العقاب، وإلى هذا يشير قوله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا جاء رمضان، فتحت أبواب الجنة، وغلقت أبواب النار، وصفدت الشياطين"، ففتح أبواب الجنة إشارة بطرق المجاز إلى كثرة الثواب، أو إلى ما يفتحه الله للناس في هذا الشهر من الطاعات؛ كما أن تغليق أبواب النار، وتصفيد الشياطين إشارة إلى قلة المخالفات وإغواء الشياطين، أو إلى ما يترتب عليها من قلة العقوبات (١).
فُضِّل شهر رمضان بما وصفناه من المزايا، فاستحق اليوم الذي يلي آخر يوم منه أن يتخذ عيداً؛ لأنه يوم تمتلئ فيه قلوب الناس ابتهاجاً بما عملوا في هذا الشهر من خير، وأي نعمة يصيبها الإنسان في هذه الحياة تساوي نعمة أداء ركن من أركان الإِسلام، محفوفاً بضروب من أجل الطاعات، وأشرف الآداب؟! وأي ارتياح يساوي في نظر أولي الألباب ارتياح النفس عندما تشعر بأنها اتقت الله ما استطاعت؟! وإنما ارتياحها لما ترجوه من رضا الخالق، وما يتبعه من عزة في الدنيا، وسعادة في الأخرى.
(١) هذا وجه في شرح الحديث أورده أهل العلم، وهم لا يرون مانعاً من حمل فتح أبواب الجنة، وتغليق أبواب النار، وتصفيد الشياطين على حقيقتها.