دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ}، وقد عرفت أن هذا الظن ليس بذنب، أو ليس فيه فعل محظور، ولا ترك واجب، وإنما هو مقام النبوة والرسالة يستدعي الأخذ بالأكمل في كل حال، فإذا لم يأخذ الرسول بالأكمل، رأى نفسه بمنزلة من لم يأخذ بالواجب من سائر المكلفين، واستغفر لما أتى من غير الأكمل، وصح أن يسمى عدم مقابلته بالعتاب: مغفرة وعفواً.
الزلفى: القربة والمنزلة، والمآب: المرجع، وجاءت الزلفى بمكانها مقدمة على حسن المآب؛ لأن القربة والمنزلة عند الله أفضل وأهم من المآب الذي يراد به: المرجع في دار النعيم.
قص الله تعالى عن داود - عليه السلام - أنه استغفر، فغفر له، وأنه خر راكعاً متقرباً إليه، فكان له عنده الزلفى، وأنه أناب إليه؛ أي: رجع تائباً، فكان له عنده حسن المآب.
هذا ما يصح أن تفسر به هذه القصة متى نظر إلى الآيات مجردة عن النظر إلى الآثار، أما الآثار المعزوة إلى بعض السلف في تفسيرها، فمنها ما لا يليق بمقام النبوة والرسالة، فيجب طرحه، وعدم الالتفات إليه، ومنها ما هو محتمل غير بعيد. وأقرب تأويل يستند إلى الآثار: أنه كان في عهد داود - عليه السلام - رجل له امرأة حسنة، فطلب منه داود أن يتنازل له عنها بطلاق ليتزوجها، فساق الله إليه ذينك الخصمين، وهما إما رجلان من البشر، أو ملكان في صورة رجلين؛ ليأخذ من قصتهما عبرة، وينتبه إلى أن سؤال الرجل أن يتنازل عن زوجته قد جرى خلاف ما يقتضيه الزهد المناسب لمقام النبوة، وليس هذا الطلب بمحظور في شرع، وقد يخفف أمره أن