الأقلام إلى نقده وتقويم عوجه، وكان الأستاذ المفضال محمد أحمد الغمراوي ممن نقدوا ذلك الكتاب بمقالات نشرت في جريدة "البلاغ"، وكان أهل العلم والفضل يقرؤونها بإعجاب، واقترح بعض أهل الفضل على الأستاذ الغمراوي جمعها، وإبرازها في كتاب، فلم يسترح لأن يجيب رغبتهم؛ نظراً لأن الكتاب المنقود قد حجز، وفي حجزه أمان من أن يخالط عقولاً فيكدرها، أو يساور نفوساً فيزيغها، ثم إن الدكتور طه حسين حذف من الكتاب المحجوز أجهل جمل نال فيها من الدين الحنيف، وأضاف إليه حديثاً من أوله، وحديثاً من آخره، وسماه: كتاب "في الأدب الجاهلي".
وعند هذا رأى الأستاذ الغمراوي أن تنبيه النشء لما يحمله هذا الكتاب من مزاعم وهمزات، إنقاذ لهم من أن يتخبطوا في غير علم، أو يسقطوا في غير هدى، فعاد إلى ما كان قد نشره في جريدة "البلاغ"، واتخذه نواة لنقد كتاب "في الأدب الجاهلي" الذي هو كتاب "في الشعر الجاهلي" روحاً وغاية وطريقة، فطعنه في صميم مباحثه، وأمتع القول في الكشف عن عيوبه.
تناول الأستاذ الغمراوي كتاب "في الأدب الجاهلي" من ناحية العلم والأدب والتاريخ، ثم من الناحية التي تمس الدين الحنيف، فرفع الطلاء عما احتواه من أغلاط، وأقام الشاهد بعد الشاهد على أنه وليد فكر تندفع به الأهواء في غير طريق.
فمن يقرأ كتاب "النقد التحليلي" يأخذه الإعجاب بما وهب الله صاحبه من سلامة الذوق، وأصالة الرأي، ولو أن كل شبابنا الذين يدرسون في البلاد الغربية، أو أكثرهم يعودون إلينا بمثل ما عاد به الأستاذ الغمراوي من علم موزون، وعقل راجح، ونفس مطمئنة، لكان لنهضتنا اليوم من القوة والاستحكام