أيها السادة! ما من أحد في الشرق إلا يشعر بحاجتنا إلى أن ننهض كما تنهض الأمم المستقلة بتدبير شؤونها، نتحد في هذا الشعور، والذي يمكن أن تختلف فيه الأفراد أو الجماعات منا، إنما هو الوسائل التي نسلكها إلى مسابقة تلك الأمم الناهضة، بل إلى لحاقها؛ لأنها تقدمت علينا أشواطاً واسعة المدى.
لا بأس في اختلاف الآراء النابتة في نفوس يعمرها الإخلاص، فإن الباحثين المخلصين لا يختلفون اختلافاً بعيداً، ولا يصرون على رأي شهدت الحجة على أنه غير سديد، وإنما البأس في آراء أو نزعات تقوم على أهواء، فهذه هي التي تطيش في عمى، وتنبذ إلى الأحلام الراجحة على سواء، وهذه هي التي تبعد بين الجماعات، فيتفرقون إلى غير ملتقى.
في العالم الإِسلامي اليوم دعايتان بينهما من الاختلاف مثل ما بين بياض النهار وسواد الدجى:
دعاية تقوم على ما أرشد إليه الإِسلام من حكمة وفضيلة ونظام، وحجةُ القائمين بهذه الدعاية -وهم المسلمون بحق-: أن الإِسلام لم يغادر صغيرة ولا كبيرة من وسائل السعادة والعظمة إلا أرشد إليها، أو نبه على مكانها.
وقد حدثت بجانب هذه الدعاية الرشيدة دعاية تقصد إلى صرف القلوب عن الهدى، وتسعى إلى أن تفتح في وجوه فتياننا وفتياتنا طرق المجون والخلاعة، والشبهةُ التي ينصبها القائمون بهذه الدعاية لاصطياد النفوس الغافلة، هي: أن هذه الأمم الباسطة سلطانها على كثير من أوطاننا، لا تتقلد الإِسلام ديناً، ولا تبالي أن تذهب في الخلاعة واتباع الشهوات أينما تشاء.
يقولون هذا بأفواههم، كأنهم لا يعقلون أن تلك الأمم القوية إنما تسيطر