نضوجها. واسألوا التاريخ؛ فإنها قد استودعته من مآثرها الغر ما بصر بضوئه الأعمى، وازدهر في الأرض ازدهار الكواكب في كبد السماء.
هذه حقائق لم أنحُ فيها نحو المبالغة؛ فإن المصطفى - صلوات الله عليه - قد قضى على عبادة الأوثان، والغلو في الخضوع لغير الواحد القهار، وقضى على الإلحاد وإنكار الإله، فأصبح المؤمنون أمماً بعد أن كانوا أفراداً، وأنتم تعلمون أن الغلو في تعظيم غير الله رجس من عمل الشيطان، وأن الإلحاد داعية الفسوق والطغيان، فلدعوة محمد - صلى الله عليه وسلم - الفضل الأكبر في رفع النفوس من حضيض الشرك إلى سماء التوحيد الخالص، ولها الفضل في تطهر النفوس من خبث الإلحاد الذي يشوه فطرتها، ويوفر أسباب شقوتها.
جاهد المصطفى - صلى الله عليه وسلم - الجهل، وشرُّ الجهل عدم معرفة مبدع الكائنات بحق، وجاهد الأخلاق الرذيلة، فكرَّه للنفوس الجزع، والجبن، والبخل، والصغار، والكبر، والقسوة، والأثرة. وعلَّمها الصبر، والشجاعة، والكرم، والعزة، والتواضع، والرحمة، والإيثار.
علَّمها الصبر، فهان عليها كل عسير، وعلمها الشجاعة، فحقر أمامها كل خطير، وعلمها الكرم، فجادت في سبيل الخير بكل نفيس، وعلمها العزة، فسمت إلى كل مقام مجيد، وعلمها التواضع، فتألفت كل قلب سليم، وعلمها الرحمة، والرحمةُ رباط التآزر والتعاون على تكاليف الحياة، وعلمها الإيثار، والإيثارُ أقصى ما يبلغه الإنسان من مراتب الكمال.
رفع المصطفى - صلى الله عليه وسلم - أعلام العلم، وهدى إلى مكارم الأخلاق، ثم علم الإنسان كيف يعمل صالحاً، ويعيش آمناً، وهو الذي أوحي إليه بأصول تجعل المدنية محكمة البناء، وآداب تكسوها رونقاً وبهاء.