ولا أنسى الليالي -ليالي الجمعة من كل أسبوع- إذ كان الأستاذ يتفضل فيها بالزيارة، ونقضيها في أسمار ممتعة، يجاذبنا أطراف أحاديثها فريق من طلاب العلوم والآداب.
ثم لا أنسى أوقاتاً عصفت فيها رياح بعض الرياسات، وأدارت وجوه بعض الإخوان إلى ناحية غير ناحيتنا، ورأيت الأستاذ الراحل من أشد الإخوان احتفاظاً بحقوق الصداقة، شأن من يعتز بعلمه ومجده، ولا يرضى أن يكون لاتجاه بعض الرياسات أثر في وصل صداقته وقطعها.
كانت ذكريات ذلك العهد تخطر، فتجد في النفس أمل لقاء ذلك الصديق الراحل، وتجديد ما درس من عهد الأنس به، فلا تثير من الأسى ما يجرح الفؤاد من كل ناحية، أما اليوم، وقد ذهب ذلك الأمل، فأراها تخطر فتثير أشجاناً يذوب لها القلب، وتتساقط لها العبرات.
أجل! ذهب ذلك الأمل المروِّح على القلب، وأصبحت ذكريات تلك الصداقة تبعث الحسرات فتجعلها ركاماً، وإن كان هناك ما يخفف من وقع هذا المصاب، فهو أملنا أن يكون لعلم الأستاذ الراحل وفضله ورثة من أنجاله النجباء، يحفظون التالد، ويعززون التالد بالطريف.
ويوطد هذا الأمل: أن بيت آل النيفر قد عرف بأنه منبت العلماء الراسخين، والأدباء البارعين، وإني ألمح في شباب هذا البيت اليوم همماً طماحة للمعالي، وجهوداً من أصدق الجهود التي تبذل لإعلاء شأن العلم والأدب والفضيلة. وأقدم لآل الفقيد على هذه الفاجعة خالص التعزية، وأسأل الله تعالى أن يفيض على ضريحه نوراً ورحمة، ويحسن جزاءه على ما بذل في سبيل الخير من همة،