وما زلنا نتلقى خبراً بعد آخر عن جهاد ذلك الزعيم وثباته، حتى طرق أسماعنا اليوم نبأ هزَّ أفئدتنا هزاً عنيفاً، هو نبأ وفاته، إنا لله وإنا إليه راجعون.
وكيف لا تهتز أفئدتنا فزعا لفقده، ونحن في أشد الحاجة إلى رجال عرفوا حقوق الأمة، وتحلوا بمزايا الإخلاص والإقدام والغيرة على الحقوق؟!.
إن أرضنا -وأريد من أرضنا: الشرقَ كله- لم تزل فقيرة من وسائل النبوغ، ولم ترزق من العلم الصحيح والتربية الصادقة ما يجعلها منبتاً خصباً لعظماء الرجال، حتى إذا فقدنا رجلاً مجاهداً، قلنا في غير حسرة:
إذا مات منا سيد قام سيد ... قَؤولٌ بما قال الكريم فعولُ
حقاً إن أرضنا لا تنبت من المجاهدين المخلصين إلا قليلاً، ولا يغرنا كثرة أسماء الزعماء، فإن فيهم المرائي والجبان، وصاحب الذمة التي تباع بثمن بخس، ومن هؤلاء من ترونه ينوح على الإسلام علانية، ويقتل دموعه، ولكن بأنامل تبيت تطعن في مقاتله خفية، ولا عجب أن تروا الأنامل الملطخة بدم الجريح مبتلة بدموع البكاء عليها، فإن الذي يستطيع أن يلاقي الناس بوجهين، ويحادثهم بلسانين، يستطيع أن يتخذ دموعاً ليست من نوع الدموع التي تبعثها حرارة الإيمان والغيرة على الحق.
ففي الزعماء ناصح للأمة يجاهد لسلامتها ورفعة شأنها، وفي الزعماء مخادع للأمة يتخذ زعامتها حبالة يصطاد بها مطعماً لذيذاً، أو ملبساً أنيقاً، بل يتخذ زعامتها معولاً يهدم به الباقي من صرح سيادتها، وفلاحُ الأمة في ممايزتها بين المخلص الأمين، والمداهن الأثيم، ولا تطمع الأمة أن تسير سيرة رشيدة، أو ترقى في عزة راسخة، إلا أن يكون في صدر سائسها إيمان بخالقها، وغيرة على حكمة شريعتها.