من خصال الشرف، ومظاهر الكمال، فلا شرف يذكر، ولا كمال ينعت، إلا أخذ في السيرة النبوية مكاناً أوسع، وكان له أرفع شأن، وليس في الوقت كفاية، ولا في اللسان مقدرة على أن أتحدث عن هذا الشرف والكمال بما يشفي غليل السامعين، وقصارى ما يستطيعه الخطيب أن يقول كلمة يلمح بها إلى شيء من خصال كماله - عليه الصلاة والسلام -.
وقد يقف الخطيب البارع وقفة المدهوش لكثرة ما يتراءى له من الأخلاق الباهرة، والآداب الرائعة، والهمم الفائقة.
ولا أكتمكم أني وقعت في هذه الدهشة عندما استقبلت السيرة النبوية لأقتبس منها كلمة ألقيها في هذه الحفلة المباركة، وكدت أنقطع عند التكلم، لولا أن الاعتذار بهذا الوجه من العجز لا يجد عند كثير من الناس قبولاً.
وقد أخذت -مع هذه الروعة- أروض الفكر إلى أن يملي على لساني شيئاً أضرب به في هذه الحفلة بسهم، عسى أن يكون لنا فيه قدوة حسنة، فما كان إلا أن ذكرت قول ابن الخطيب:
أيروم مخلوق ثناءك بعد ما ... أثنى عليك الواحدالخلّاق
فقلت: كتفي بتلاوة آية من الآيات التي أثنى بها الواحد الخلَّاق على رسوله الأكرم - صلوات الله عليه -، وتلك الآية هي قوله تعالى:
{وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ}[القلم: ٤].
فمن واجب هذه الآية علينا أن ندرس السيرة النبوية حتى نعلم ما هو الخلق العظيم الذي كان عليه - عليه الصلاة والسلام -؛ لنعمل لتربيته في نفوس نشئنا، ونأخذ به أنفسنا ما استطعنا.
ونحن إذا درسنا السيرة النبوية، نجده - صلى الله عليه وسلم - قد تجمل بأكمل الأخلاق