للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

في مكة أذى كثيراً- أصبحوا في أمن وسلامة، ثم إن الهجرة ألبستهم ثوب عزة بعد أن كانوا مستضعفين، ورفعت منازلهم عند الله درجات، وجعلت لهم لسان صدق في الآخرين، وقد سمى الله تعالى الصحابة الذين فروا بدينهم إلى المدينة بالمهاجرين، وصار هذا اللقب أشرف لقب يدعون به بعد الإيمان.

وأما أثر بركة الهجرة في البلاد التي هاجروا إليها، فإن فضل مكة كان معروفاً عند العرب من قبل بعثة الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وجاءها الفضل من جهة أن الله اختارها لأن يقام فيها بيته المحرم، وأمر رسوله إبراهيم - عليه السلام - ببناء ذلك البيت، ودعوة الناس إلى حجه، والتقرب إلى الله بالطواف به، وقد ازداد هذا الفضل بميلاد النبي - صلوات الله عليه -، ونشأته فيها، ثم نزول القرآن في أرجائها.

وأما المدينة فلم تكن معروفة قبل الإسلام بشيء من الفضل على غيرها من البلاد، وإنما أحرزت فضلاً بهجرة النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه المؤمنين بحق، وبهجرة الوحي معهم إلى ربوعها، حتى أكمل الله الدين، وأتم عليهم النعمة.

وأما أثر بركة الهجرة في انتشار الإسلام وإعلاء كلمته، فلأن الإسلام كان بمكة في شيء من الخمول، ولم يكن الجهاد قد شرع؛ إذ لم تتهيأ أسبابه، أما بعد الهجرة إلى المدينة، فقد نزلت آيات في القتال؛ كقوله تعالى:

{أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا} [الحج: ٣٩].

وقوله تعالى:

{وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا} [البقرة: ١٩٠].

فإذا احتفلنا بذكرى الهجرة الشريفة، فإنما نحتفل بذكرى اليوم الذي ابتدأت فيه الهداية تسير سيرها الحثيث في الشرق والغرب، وذهبت فيه العزة