وصاحب القمار لم يتاجر بماله، بل تاجر بأخلاقه قبل كل شيء.
ولا يغرنك فعل الأمم الأوربية، واكتفاؤها برضا صاحب المال في ظاهر الأمر؛ فإنه إذا أخذ منه المال، انقلب رضاه غيظاً؛ بخلاف من اكتسب بماله عملاً، أو بضاعة ينتفع بها.
والشارع الحكيم راعى في المعاملات أن تكون عن رضا من صاحبها ظاهر وباطن، وذلك وجه إباحته للتجارة، وحله للبيع، ومنعه من القمار، وإذا كان الأوربيون أغنياء، فإن لديهم معامل ومزارع متقنة، والقمار قليل بالنسبة إلى مصانعهم ومزارعهم وتجارتهم، والشارع الحكيم يحرم على المسلمين أن يدفعوا مالهم طمعاً في أن ينالوا من إنسان آخر مثله، فيعودوا بالمالين جميعاً، فمن المحتمل أن يذهب مال المقامر جملة، ولا يصل به إلى عمل أو إلى بضاعة.
* اليانصيب للأعمال الخيرية:
أما اليانصيب للأعمال الخيرية، فهو قمار بلا ريبة، وقد كان العرب في الجاهلية -كما ذكر ابن قتيبة في "الميسر والقداح"- عند شدة البرد، وجدب الزمان، وتعذر الأقوات على أهل الفقر والمسكنة - يقامرون بالقداح على الإبل، ثم يجعلون لحومها لذوي الحاجات منهم والفقراء، وهذا ما قصده القرآن بالمنفعة في قوله تعالى:{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا}[البقرة: ٢١٩].
ومع هذا، قد جعله القرآن بمنزلة الخمر؛ إذ قرنه بها في الآية.
والشارع الحكيم يريد من أتباعه أن يكونوا خياراً كراماً، يدفعون أموالهم التي لا يتاجرون بها إلى الفقراء وذوي الحاجة العامة قاصدين وجه الله ورضوانه، دون أن يقصدوا إلى سلب مال غيرهم؛ فإن ذلك إثم كبير.