إن مثل المحتكرين كمثل المرابين؛ من جهة استغلال الفريقين حاجة الناس، وتحكمهم فيهم بسبب الحاجة. غير أن المحتكرين يزدادون عند الله إثماً من جهتين:
إحداهما: أن استغلال حاجة الناس إلى الأقوات والأغذية وما أشبهها أفظع من استغلال الحاجة إلى النقود.
والثانية: أن استغلال المحتكرين لأقوات الناس وضروريا تهم يعم ضرره جماهير الناس، أما استغلال المرابين لحاجة من يحتاج إلى النقود، فإن نطاقه ضيق يخص عدداً قليلاً منهم، ولا يعم جماهيرهم؛ فإذا كان المرابي يأكل ربحه من الربا ناراً في جوفه؛ لاستغلاله حاجة عدد محدود من الناس، فالمحتكر يأكل ربحه من الاحتكار لهيباً من نار الجحيم بقدر ما ينال جماهير الناس من أذى جشعه الذي لن يبارك الله له بشيء منه.
وقد صح في الحديث النبوي: أن عاقبة المحتكر: أن يضربه الله بالإفلاس، أو بأخبث الأمراض، وهو الجذام.
روى الإمام أحمد بن حنبل - رضي الله عنه - في "مسنده" بإسناد صحيح: أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - خرج إلى المسجد، فوجد طعاماً منثوراً، فقال: ما هذا الطعام؟ قالوا: طعام جلب إلينا. قال: بارك الله فيه، وفيمن جلبه. قيل: يا أمير المؤمنين! فإنه قد احتكر. قال: ومن احتكره؟ قالوا: فروخ مولى عثمان، وفلان مولى عمر.
فأرسل أمير المؤمنين إليهما، فدعاهما فقال: ما حملكما على احتكار طعام المسلمين؟ قالا: يا أمير المؤمنين! نشتري بأموالنا ونبيع. فقال عمر: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من احتكر على المسلمين طعامهم، ضربه الله