الحربي، والتأهب دائماً للدفاع عن كيان الأمة وحقوقها. وقد كانوا بالفعل هم أهل العزة في الأرض، والهيبة في عيون الأمم، عندما كانوا منقادين لهذا التوجه الإسلامي، وعاملين به، فلما تهاونوا به في المئات الأخيرة من السنين، وقصروا في الاستعداد من كل نواحيه؛ لتقصيرهم في معرفة الحقوق التي أتاحها الإسلام لهم، والواجبات التي أوجبها عليهم، طمعت دول الاستعمار حينئذ في استعبادهم، واستغلال خيراتهم، وتذرعت بأوهى الأسباب لبسط سلطانها عليهم، وكان ما قد حدثنا عنه التاريخ من استيلاء الهولنديين على جزائر أندونسيا قبل نحو ثلاث مئة سنة، ومحاولة البرتغاليين السطو على سواحل العالم الإسلامي، وتوغل الإنجليز في الهند وغيرها، واستيلاء فرنسا على الجزائر، ثم على بقية شمال أفريقيا. وهذا كله لتقصير المسلمين في معرفة ما لهم من الحقوق، وما عليهم من الواجبات التي بيّنها الإسلام لهم، ثم لتهاونهم في متابعة التوجيه الإسلامي أفراداً وجماعات وحكومات.
ولقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينظر إلى ذلك بنور الله -عَزَّ وَجَلَّ- من وراء العصور الكثيرة، ويصدر في بيانه لأمته عن وحي صادق من الله فيما أنذرهم به، وذلك فيما رواه الإمام أحمد في"مسنده" من حديث ثوبان مولى رسول الله، وقد رواه عن ثوبان أيضاً الإمام أبو داود في الباب الخامس من كتاب: الملاحم من "سننه": أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:"يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها"، فقال قائل: ومن قلة نحن يومئذ؟ قال:"بل أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن الله في قلويكم الوهن"، فقال قائل: وما الوهن؟ قال:"حب الدنيا، وكراهية الموت".