فاتحها الفقيه الإمام الكبير من أبرع حملة السلاح بيمينه التي اشتهرت قبل ذلك بتدوين أحكام الشرع وبتبيين آداب الإسلام وسننه الرفيعة.
واستشهد أبو الربيع الكلاعي في واقعة أثيجة بالأندلس، وهو يتقدم الصفوف، وينادي بالجند: أعن الجنة تفرون؟ حتى قتل صابراً، وكان حافظاً للحديث، مبرزاً في نقده. وقال ابن خلدون في"مقدمته": ربما كانوا يجعلون للقاضي قيادة الجهاد في عساكر الطوائف.
وكان القاضي يحيى بن أكثم يخرج أيام المأمون بالطائفة إلى أرض الروم، وكذا منذر بن سعيد قاضي عبد الرحمن الناصر من بني أمية بالأندلس.
هكذا كانت حال علماء الإسلام في كل عصر ومصر، وعندما حشد صلاح الدين الأيوي الجيوش الإسلامية سنة ٥٨٣ هـ لقمع الصليبيين، وإجلائهم عن فلسطين، كان في جحافله عدد لا يحصى من العلماء والفقهاء، والصالحين، نذكر منهم: الإمام موفق الدين عبد الله بن قدامة المقدسي مؤلف أجود الكتب وأشهرها في الفقه الحنبلي، وأخاه الأكبر الشيخ أبا عمر مؤسس المدرسة العمرية الشهيرة في سفح جبل قاسيون بدمشق وكانت لهما ولتلاميذهما في معسكر صلاح الدين خيام تتنقل مع الجيش من معركة إلى معركة، ومن نصر، إلى نصر حتى ختم الله ذلك الجهاد بموقعة حطين الفاصلة التي انتهت بإخراج جميع الأوربيين من فلسطين.
ولما عظم البغي من وثنيي التتار، وزحفت جيوشهم على الشرق العربي، كان الإمام تقي الدين بن تيمية هو معلن النفير بالجهاد العام، وهو الذي قدم من الشام إلى مصر لاستنفار حكومتها وشعبها وجيشها للاشتراك في الدفاع، وكان ابن تيمية في تلك الحرب أول شاهر بالسيف مقاتل به، على ما هو معروف