يُشهد الله عليها في أطهر بقاع الأرض، مخاطبا ربه -عَزَّ وَجَلَّ- قائلاً:"لبيك اللهم لبيك"، وملتزماً أن لا يعمل من ذلك الحين إلا ما يرضي الله من عمل، وأن لا يقول إلا ما يقربه إلى ربه من خير وحق، وأن لا يعود إلى أهله ووطنه إلا وهو إنسان آخر، يؤثر مرضاة الله في كل ما يصدر عنه، ويكون في جانب الحق في كل ما يصطدم فيه الحق والباطل، ويحرص على أن يكون من أهل الخير، كلما دعته الظروف، وسنحت له الفرص لعمل الخير.
كما أن المدرسة مصنع يدخله غير العارفين، ثم يتخرجون منه علماء عارفين، كذلك الحج فرصة من فرص الحياة يتعرض لها المسلمون بما ارتكبوا في حياتهم من هفوات، وما وقع منهم مما لا يرضى الله عنه، فيجددوا توبتهم العظمى في البلد الحرام، والشهر الحرام، ويهتفون من أعماق قلوبهم معاهدين ربهم على التزام أوامره واجتناب نواهيه قائلين:"البيك اللهم لبيك"، فلا ينتهون من مناسكهم إلا وهم على عهد مع الله -عَزَّ وَجَلَّ- بأن يكونوا من أهل الاستقامة في حياة جديدة قامت مناسك الحج حائلاً بينها وبين شوائب الماضي، فيعفو الله عما سلف على قدر ندم صاحبه عما فرط منه، وعلى قدر ثباته على عهده مع الله بأن يكون من أهل السلامة والاستقامة والتقوى.
إن عشرات الألوف من المسلمين يقفون بين يدي الله -عَزَّ وَجَلَّ- في عرفة، في البقعة المباركة التي وقف بها رسول الله- صلى الله عليه وسلم - وصفوة خلق الله من أصحابه الأكرمين والتابعين لهم بإحسان.
وهذه الألوف التي لا تحصى، ترفع أصواتها بالدعاء إلى الله الرحمن الرحيم معلنة أنها أجابت دعوته، وأنها تعاهده -عَزَّ وَجَلَّ- على أن تتوخى رضاه في أقوالها وأفعالها. ولن تكتفي هذه الجموع العظمى بهذا العهد العظيم مع الله،