هي مرحلة تقرير المصير. وهذه المرحلة -بما لها من الخطر والأثر في مستقبل الأمة وحاضرها- تقتضي منا أن نتيقظ لكل ما يراد بنا، سواء من العدو الغاصب، أو من أعوانه، وأن نحذر دعاة الفتنة، والذين يعملون على إشاعتها بين طبقات الأمة، ولنعلم أن هؤلاء وأولئك يستهدفون غرضاً واحداً، ويعملون لغاية واحدة، هي: تمزيق الشمل، وتشتيت الجمع، وتفريق الكلمة، وإشاعة الكراهية بين الحاكم والمحكوم، وإلقاء العداوة بين المؤتمين والمأموم. وهم بهذا يعملون للفتنة ومن أجلها، فإذا ما تحققت غايتهم، فإن الفتنة لا تصيبهم وحدهم، ولا تصيب طائفة دون أخرى، وإنما هي تصيب الأمة بأسرها.
وقد حذرنا الله تعالى منهم ومن فتنتهم، فقال- جل شأنه-: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً} [الأنفال: ٢٥} , واتقاء الفتنة يكون بدفعها وإدحاضها، وإنزال العقوبة الرادعة على كل من يثبت عليه أنه كان سبباً فيها، أو في عنصر من عناصرها، ويرى علماء الشافعية أن تكون العقوبة هي (الإعدام) لكل من يثبت عليه أنه أحدث بين المسلمين فتنة. وأما علماء المالكية، فإنهم يتركون الحد على هذه الجريمة لاجتهاد الإمام؛ أي: الحاكم، ومن هنا نرى أنه لا سبيل إلى الهوادة أو المهادنة في إقامة الحد على هذه الجريمة النكراء، جريمة إحداث الفتنة بين الصفوف؛ مناصرة لعدو البلاد الأكبر، وهو المستعمر الغاصب.
فلنتق الله في أمتنا ووطننا، وتقوى الله تدفع كل شيء، وتحول دون أي مكروه، والله يوفقنا، ويسدد خطانا إلى ما فيه النجح والرشاد.
وإلى هنا كان الشيخ الأكبر قد أوفى على الغاية، وأصاب المحز، فأماط اللثام عن حكم الله في مثل هذه الطامة الكبرى، فشكرت لفضيلته، واستأذنت في نشره، فتفضل وأذن.