عليه السبل، فخرج فراراً بدينه إلى الشرق حاملاً قلمًا بليغاً، وعقلاً مؤمناً، يتابعه حكم بالإعدام أصدرته السلطة الفرنسية، وحطَّ به الترحال في دمشق؛ ليتابع فيها جهاده الكبير.
بعد رحيله إلى القاهرة لاجئاً سياسياً عام ١٩٢٠، بدأ هناك بالعمل السياسي إلى جانب الدعوة إلى الإسلام، وكانت داره "سفارة" تونس في القاهرة، يؤمها الأحرار والمناضلون من أبناء المغرب، وأسس "رابطة تعاون جاليات أفريقيا الشمالية"، فعقدت المؤتمرات، وشرحت قضايا المغرب العربي للعالمين العربي والإسلامي. وأنشأ "جبهة الدفاع عن إفريقيا الشمالية" التي قامت بدور هام وفعال في توحيد نضال أبناء المغرب العربي -تونس والجزائر والمغرب-، وكانت إحدى الطعنات التي مزقت صدر الاستعمار الفرنسي.
والحديث عن الكفاح السياسي للعلامة محمد الخضر حسين لا تسعة هذه المقدمة، وإنما نتركه لكتاب يضم أمثولة عالم مجاهد، له في ميادين الدين جولات، وفي ميادين الدولة صولات (١).
والحنين إلى تونس نجده في شعر الإمام، وهو على كثرته -فإننا نكتفي- بأبيات نوردها من ديوانه "خواطر الحياة": وتحت عنوان "أنباء تونس" قال: عندما زاره أحد الأدباء القادمين من تونس إلى القاهرة:
أمحدِّثي رُبيّتَ في الوطن الذي ... رُبيّتُ تحتَ سمائه وبلغتُ رشدا
وجنيتَ زهْرَ ثقافةٍ من روضةٍ ... كنتُ اجتنيتُ بنَفسجاً منها ووردا
(١) انظر كتابنا: "جبهة الدفاع عن إفريقية الشمالية - صفحات من جهاد الإمام محمد الخضر حسين".