وأخذ أهل تونس يرحلون إلى الشرق لتلقي علوم الشريعة، ومن هؤلاء الراحلين: عبد الرحمن بن زياد المعافري، فتلقى العلم عن جماعة من التابعين، وكان من رفقائه في طلب العلم الخليفة أبو جعفر المنصور، ثم عاد عبد الرحمن إلى القيروان بعلم غزير.
ورحل بعد هذه الطبقة طائفة أخذوا عن الإمام مالك وغيره من الأئمة، ثم عادوا إلى تونس بعلم واسمع؛ مثل: علي بن زياد، وهو أول من دخل تونس بموطأ مالك بن أنس، ومثل أسد بن الفرات الذي تلقى العلم عن مالك بالمدينة، ثم عن محمد بن الحسن صاحب الإمام أبي حنيفة بالعراق، وعاد إلى تونس وهو على علم بأصول مذهبي مالك وأبي حنيفة وفروعهما، وهذا الفقيه هو البطل الذي فتح صقلية في عهد الأغالبة، فجمع بين القضاء العادل، وقيادة الجيوش المظفرة.
وما أتى على تونس مئتا سنة من الهجرة النبوية إلا وقد ظهر فيها أعلام بلغوا الذروة في الفقه، وأحكموا صناعة القضاء
وظهر بعد هؤلاء الذين لاقوا مالكاً طبقة أشهرهم: الإمام عبد السلام ابن سعيد المعروف بسحنون، نشأ سحنون وشبّ في القيروان، ثم رحل إلى مصر، وتلقى فقهاً كثيراً عن ابن القاسم، وألف كتاب "المدونة"، وعنه انتشر مذهب مالك في تونس، بل في المغرب كله، وتخرج بين يديه رجال خدموا الفقه بالاستنباط والتدريس والتأليف.
هذا هو الأساس الذي ارتفع عليه صرح الفقه في تونس، واستمر جامع القيروان يخرج للناس أكابر الفقهاء الذين بلغوا درجة الاستنباط أو الترجيح