فإن سأل سائل عن الآيات التي تجري على ألسنة الناس كما تجري الأمثال؛ كقوله تعالى:{لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ}[الكافرون: ٦]؛ إذ يستعملونها في المتاركة، قلنا: هذا الضرب من الآيات يسميه علماء البيان: ما خرج مخرج المثل، أو جرى مجرى الأمثال، فقد قالوا في بحث التذييل من باب الإطناب: إن التذييل ضربان: ضرب لم يخرج مخرج المثل، وهو ما لم يستقل لإفادة المراد، وضرب خرج مخرج المثل؛ بأن تكون الجملة الثانية حكماً كلياً منفصلاً عما قبله، جارياً مجرى الأمثال في الاستقلال وفشو الاستعمال؛ نحو قوله تعالى:{وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا}[الإسراء: ٨١].
وقد أخبرنا السيوطي بأن جعفر بن شمس الخلافة عقد في كتاب "الآداب" باباً في ألفاظ من القرآن تجري مجرى المثل؛ كقوله تعالى:{لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ}[النجم: ٥٨]، وقوله تعالى:{كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ}[المؤمنون: ٥٣]، وقوله تعالى:{لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ}[المائدة: ١٠٠]، وقوله تعالى:{مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ}[التوبة: ٩١]، وقوله تعالى:{وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ}[فاطر: ٤٣].
وقد أدخل علماء البديع أمثال هذه الآيات في النوع الذي يسمونه: إرسال المثل، وهو: أن يأتي المتكلم بما يجري مجرى المثل من حكمة أو غيرها فيما يحسن التمثل به، ولا ندع هذا الضرب من الآيات حتى ننبه على حكم استعمال الآيات استعمال الأمثال، فقد رآه بعض أهل العلم خروجاً عن أدب القرآن.