أذكر لحضراتكم من كبراء أساتذتنا ثلاثة امتاز كل واحد منهم بناحية جعلته عبقرياً متناهياً:
أحدهم: أستاذنا المرحوم الشيخ سالم أبو حاجب، حضرت دروسه عندما أخذت في قراءة الكتب العالية، فشعرت بأني دخلت في مجال أفسح للنظر، وأدعى لنشاط الفكر؛ إذ لم يكن الأستاذ مما يقصر مناقشته على عبارات المؤلفين، بل كان يتجاوزها إلى نقد الآراء نفسها، ويتجاوز النقد إلى الغوص على أسرار المباحث، دينية كانت أم عربية، ولا يترك في درس الكتب الشرعية أن يعقد الصلة بين أصول الإسلام ومقتضيات المدنية الحاضرة.
ثانيهم: أستاذنا المرحوم الشيخ عمر بن الشيخ، وكان هذا الأستاذ نافذ الفكر في المباحث الغامضة، قديراً على حل المسائل العويصة، ولكنه لا يكثر من مناقشة المؤلفين وذوي الآراء، وإذا ناقش في عبارة أو رأي، فبأدب واحترام، وقد درس هذا الأستاذ كتاب "المواقف" من فاتحته إلى منتهاه، وكان يوم ختمه لهذا الكتاب يوماً مشهوداً.
ثالثهم: أستاذنا المرحوم الشيخ محمد النجار، وكان هذا الأستاذ واسع الاطلاع، غزير العلم، وإذا صح لنا أن نعد الأستاذ الشيخ سالم أبا حاجب إخصائياً في علوم اللغة والنحو والبلاغة والأدب؛ لظهور رسوخه في هذه العلوم أكثر من غيرها، وصح لنا أن نعد الأستاذ الشيخ عمر بن الشيخ إخصائياً في الفقه والكلام والمنطق والفلسفة؛ لظهور مكانته في هذه العلوم أكثر مما سواها، فإن الأستاذ الشيخ محمد النجار كان نحريراً في العلوم