وقد بلغت تونس في العهود السالفة من المعارف والمدنية وقوة السلطان غايات عزيزة المنال، ولا أذهب في الحديث عن هذا السؤدد إلى عهود بعيدة كانت فيها المملكة التونسية مطلع العلماء الأعلام، ورجال السياسة العظام، ومحط رحال الأدباء والشعراء والكتاب، فذلك شأن من تكون غايته البحث عن تاريخ البلاد، وسيرِ رجالها؛ ليقرر حقائق، أو يستمد مفاخر، أو ينبه لمآخذ عبرة، وإنما غايتنا من هذه المذكرة عرض حالة تونس في عهد نهوضها بنفسها قبل الاحتلال الفرنسي، وعهد وقوعها تحت هذا الاحتلال؛ ليرى الناظر كيف كانت تونس تسير في السبيل الذي تسير فيه الأمم الناهضة، وكيف أتى الاحتلال الفرنسي وأخذ يرجع بها إلى وراء.
* تونس قبل الاحتلال:
كانت القيروان منذ الفتح الإسلامي العربي عاصمة إفريقية، ومنها خرج الجيش الذي فتح بقية بلاد المغرب، والجيش الذي فتح بلاد الأندلس، والجيش الذي فتح صقلية، وفي القرن السادس الهجري صارت عاصمة أفريقية مدينة تونس نفسها، وما زال الشعب التونسي يتمتع بحرية كاملة، ولواء الاستقلال يخفق على أرجاء تلك البلاد إلى أن امتدت إليها يد الإسبان سنة ٩٤٢ هـ وتخلصت منهم على يد الدولة العثمانية سنة ٩٨١ هـ، وصارت من ذلك الحين ولاية عثمانية، إلا أنها تتمتع بجانب عظيم من استقلالها الداخلي، إلى أن تولى أمرها المشير أحمد باشا باي عاشر أمراء الدولة الحسينية سنة ١٢٥٣، فنهض بهذه المملكة من الوجهة السياسية والعسكرية والعلمية.
اتجه إلى أن تكون الحكومة التونسية حكومة عربية إسلامية، يربطها