للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولد الفقيد حوالي سنة ١٢٤٤ بقرية من قرى الساحل تسمى: "بنبلة"، ثم ارتحل منها عندما بلغ سن التعليم إلى حاضرة تونس لتلقي العلم بجامع الزيتونة الأعظم، ولم يلبث أن سطع بين جدران ذلك المعهد شعاع ألمعيته ونبوغه، وصلاحيته في أندية العلم والأدب، ولا سيما إذ كانت له في صناعة القريض براعة فائقة، وفي نقده الشعر ذوق لا يقل عن ذوق العربي الصميم.

ترقى الفقيد في مدارج العلم حتى تقلد وظيفة التدريس بالمعهد الزيتوني، درس من علوم الشريعة والعربية كتباً عالية؛ مثل "شرح العضد على مختصر ابن الحاجب"، و"شرح القسطلاني على صحيح الإمام البخاري"، و"الشرح المطول للسعد التفتازاني". وكان يجلس لدرس هذه الكتب وغيرها على منصة التحقيق، ويخوض عبابها بنظر مستقل، وينطق فيها بلهجة مجتهد نحرير، فلا ينتهي من تقرير موضوع إلا بعد أن يعقد لما يجري فيه من الخلاف محاكمة يدخل إلى القول الفصل فيها من باب الحرية والإنصاف.

ولِما وضع في فطرته من حبِّ البحث، والغوص في أغوار المسائل، كان يتلقى أسئلة التلاميذ في الدرس بصدر رحب، وكثيراً ما يغمر الباحث النجيب بعبارات الثناء؛ تشجيعاً له على البحث، وأخذاً بيده إلى أن يسير مع أصحاب الآراء والمؤلفين على مقتضى حكمة من يقول: "هم رجال، ونحن رجال".

ولعلمه الراسخ، وعبقريته البارزة، كان بعض أقرأنه مثل: الأستاذ الشيخ مصطفى رضوان يقرر في درسه عازياً شيئاً من الأفهام التي انفرد بتحقيقها، وكثيراً ما يورد الفقيد في مجالسه أو دروسه في صدد الاستشهاد على بعض المعاني اللغوية عبارة "القاموس" بنصها، حتى ظن كثير من أهل العلم أنه يحفظه