للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد نزل القرآن في آخر غزوة من غزوات رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقال للمخلَّفين: {سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ} [الفتح: ١٦]، ولم يدعُهم النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ لأنها نزلت في آخر غزوة من غزواته، ودعاهم أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - إلى قتال أهل الردّة ذوي بأس شديد.

ولا يدخل في الإخبار بالمغيبات ما توهمه بعضهم من أن مصر تفتح للعثمانيين في عهد السلطان سليم سنة كذا؛ أخذاً من قوله تعالى: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ} [الأنبياء: ١٠٥]؛ إذ أن حروف (ولَقَدْ) توافق حروف (سليم) في حساب الجمل، والذكر يوافق حسابها تلك السنة، فيكون المعنى: سليم، كتبنا في الزبور من بعد تلك السنة أن الأرض -أي: مصر- يرثها عبادي الصالحون، وهم العثمانيون.

فلا يؤخذ من القرآن إلا ما نزل للهداية، وما حصل من فتح سليم لمصر في السنة المذكورة كان مجرد مصادفة.

والقرآن وصل بالبلاغة - وهي مطابقة الكلام لمقتضى الحال - إلى أعلى مما وصل إليه بلغاء العرب، فتحدّاهم بقوله: {فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ} [البقرة: ٢٣] , وقوله: {فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ} [هود: ١٣].

وأذكر بهذه المناسبة أني زرت الشيخ محمد بن يحيى الشنقيطي في الحجرة التي نزل بها من زاوية الشيخ إبراهيم الرياحي في تونس سنة ١٣١٥ هـ , فوجدته يتلو من حفظه الأبيات التي وجهها السائل للشيخ السبكي، ويقول فيها:

أسيدَنا قاضي القضاة ومَن إذا ... بدا وجهُه استحيا له القَمَرانِ