تألقت الآداب كالبدر في السحر ... وقد لفظ البحران من موجها الدُّرَرْ
فما لي أرى منطيقها الآن غائباً ... وفي مجمع البحرين لا يفقد الخَضِرْ
شأن القرآن في سرد القصص وضربها أمثلة الاكتفاء بماله مدخل في الموعظة والاعتبار، فتجده -في الغالب- لا يصرح بأسماء الأماكن التي تجري فيها الوقائع؛ كقصة ملاقاة موسى للخضر - عليهما السلام -؛ فإنه لم يعين المراد بمجمع البحرين؛ حيث لا ينبني على التعيين فائدة في الإرشاد؛ لأن الحكمة من مساق هذه القصة: التذكير بما اشتملت عليه من المحامد والآداب؛ كسفر العالم للازدياد في العلم، وتكبده المشاق في السير له، ولو بعدت المسافة سنين؛ فإن موسى - عليه السلام - يقول:{أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا}[الكهف: ٦٠] , والإيماء إلى أن التوكل: اعتماد القلب على الله، لا في نكث اليد من الأسباب؛ فإنه - عليه السلام - حمل معه الزاد، ودلّ على هذه بقوله:{آتِنَا غَدَاءَنَا}[الكهف: ٦٢] إلى غير هذا من الفوائد، ولكن بعض المفسرين كثيراً ما يسردون أقوالاً في أسماء ما جاء مبهماً في القرآن؛ كاختلافهم هنا في المراد من البحرين، فقيل: هو بحر فارس والروم، وقيل: بحر القلزم (١) وبحر الأردن، ومجمع البحرين عند طنجة، أو بإفريقيا، وقيل: هو بحر الأندلس والبحر المحيط، والتعيين في مثل هذا لا يعول عليه إلا إذا جاء به حديث صحيح، ومن العجائب قول بعضهم كما نقله الأبي في "التفسير": إنه يقع في نفسي أن مجمع البحرين هو مجتمع البحر المالح، ووادي مجردة عند الدرسة، وهو الذي يقال له: حرق الجسرين، والصخرة: صخرة أبي ربيعة، والجدار في "المحمدية".
(١) القلزم: مرفأ قديم على البحر الأحمر يرجع إلى عهد الفراعنة.