كالماء، والهواء، والتراب، والنار، ومن الأجسام المركبة؛ كالحيوان، والنبات، والمعادن، وما تحتها، وعلى أسباب تغيرها، واستحالتها وامتزاجها، وذلك يضاهي بحث الطبيب عن جسم الإنسان وأعضائه الرئيسية والخادمة، وأسباب استحالة مزاجها، وكما ليس من شروط الدين إنكار علم الطيب، فليس من شروطه إنكار ذلك العلم، إلا في مسائل معينة ذكرناها في "تهافت الفلاسفة"، ثم قال:"وأصل جملتها: أن يعلم أن الطبيعة مسخرة لله تعالى، لا تعمل بنفسها، بل هي مستعملة من جهة فاطرها، فالشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره، لا فعل لشيء منه بذاته عن ذاته".
فهذا التقرير من إمام عرف شعاب هذه العلوم، بعد أن رسخ في العلم بمقاصد الشريعة الإسلامية، يشهد شهادة عادلة بأن الإسلام يسع صدره لكل ما يتدرج في حقيقة العلم ما لم يتحقق ضرره؛ كعلم السحر.
ودعانا هذا الشيخ إلى احتفال أقامه في هذه المدرسة لتوزيع الشهادات على تلامذتها، وكان النادي يحتوي على ما يناهز خمسمائة نسمة، فيهم العلماء، وأرباب المناصب العالية، فوضعوا في صدره منصة شامخة، وصعد عليها فريق من التلامذة، وألقوا خطباً من محفوظاتهم باللغات الثلاث: العربية، ثم التركية، ثم الفرنسية، ويعد هذا قام غلام على المنصة، وألقى على التلامذة خطاباً أودع في ضمنه: أن هذه الشهادات التي سيبسطون أيديهم لتناولها، إنما منحوا بها محاباة، وأنهم سيتقلدونها عن غير استحقاق، فنهض أحد التلامذة، وأجابه عن ذلك الخطاب بمقال أومأ فيه إلى كفاءتهم، وأوسع له المجال في اختبارهم، فأجرى ذلك التلميذ عليهم الاختبار واحداً عقب آخر، وعرض عليهم أسئلة في العلوم التي تزاول بالمدرسة؛ كالحساب، والهندسة، والجغرافيا،