للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ففي الكلام معان هي ما يقصد إيصالها إلى أذهان المخاطبين، وفيه ألفاظ هي بمنزلة الجسور تعبر عليها المعاني من نفوس الناطقين إلى نفوس السامعين، وإذا كانت الألفاظ بمنزلة الوسائل، كانت في الدرجة الثانية بالنظر إلى المعاني التي هي المقصود من نظم الكلام.

صرف البلغاء هممهم إلى المعاني، وأبدعوا في تصويرها، وأعني من المعاني: تلك الصور التي تبقى قائمة في نفوس السامعين بعد سماع خطبة أو قصيدة، ثم نظروا إلى الألفاظ، فإذا هي عند تركيبها كالأجسام تجول فيها الأرواح، أو البرود تتجلى فيها الأجسام، فأحسّوا أن الروح الزاكية يجمل


= مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلًا دُونَ ذَلِكَ} [الأنبياء: ٨٢]، فأما ما عدا الصلة، فلم تتحقق فيه المطابقة نحو مئة مرة، غير أنا نجد أحياناً الضمير كما رأينا ... إلخ".
فلا يستقيم لملخص غير صاحب المحاضرة أن يعبر بالاسم الظاهر، فيقول: "وقد تقصى صاحب المحاضرة"، ويعبر بضمير الغيبة في قوله: "فرأى"، ثم يعبر بعد هذا بضمير المتكلم فيقول: "غير أنا نجد أحياناً الضمير كما رأينا"! ولا تأويل لهذا سوى أن الذي أملى التلخيص هو صاحب المحاضرة نفسه، ولكنه تصنَّع في إسناده إلى غيره، ولم يلبث أن أدركته الغفلة عما تصنع له من إسناد التلخيص إلى كاتب آخر، فوردت عليه ضمائر المتكلم منساقة بنفسها، فلم يكن منه إلا نطق بها.
ويضاف إلى هذا أنه يسمي نفسه في التلخيص: الباحث، أو صاحب المحاضرة؛ شأن المتواضع، ولو كان الملخص غيره، لعلم أن المحاضر لا يرضى منه إلا بلقب: الدكتور، أو الأستاذ.
ولم نعن ببيان أنَّ ملخِّص المحاضرة هو صاحب المحاضرة إلا لنرفع عن قلمنا الحرج إذا قلنا عند حكاية جملة أو جمل من هذا التلخيص: قال المحاضر، أو صاحب المحاضرة.