غير قليلة من أهل العلم الصحيح والبصائر النيرة، وكان هناك غافلون عن بعض ما يقتضيه الحال من إصلاح، فقمت بجانب من الدعوة إلى ما أراه خيراً للأمة الإسلامية، ولا أكتمكم أني كنت أشعر بمناوأة من جانب أولئك الغافلين.
وانتقلت إلى دمشق، وعهد إليّ بالتدريس في بعض مدارسها، وأقبلت على التدريس في بعض مساجدها، وكتبت مقالات كثيرة في صحفها، وأقمت على هذه السيرة نحواً من سبع سنين، وكانت الصلة بيني وبين علمائها وأدبائها وفضلائها صافية محكمة.
ثم رحلت إلى القاهرة، فلقيت من كبار علمائها، وصفوة أدبائها، ورجال نهضتها، ورؤساء دولتها احتفاء وتكرمة، غير أن مدينة كمدينة القاهرة لا تخلو من نفر ينتمون إلى العلم أو الأدب لا يبالون أن يجحدوا، ويدعون إلى هذا الجحود، فكنت فيمن ينبه لهذه الحقائق، ويشير إلى أن تلك الدعوة غير رابحة، ولا أكتمكم أيضاً أني لاقيت قسطاً من مناوأة أولئك الجاحدين.
هذه الأوطان الثلاثة التي قضيت بها عمراً غير قصير، وإذا كان فضل العلماء المحققين، والأدباء المستقيمين، والرؤساء الراشدين، قد غطى في تونس ومصر على ما أشرت إليه من مناوأة بعض الغافلين أو الجاحدين حتى أنسانيها، ولم تبلغ أن يكون لها في حياتي الأدبية أثر، فإن الأعوام التي قضيتها بين أهل دمشق لم أشعر فيها على ما أذكر إلا برقة العطف، وحسن اللقاء أينما كنت، فإذا حننت إلى دمشق، فإنما أحن إلى الخلق الكريم، والأدب الأخّاذ بالألباب، وقد شهد لها بهذه المزايا كثير من نزلائها العلماء والأدباء من قبلي، والسلام عليكم ورحمة الله.