وقد يقع بعض هذه الحقائق في ضياع، أو يكون مشرفاً على الضياع، ويتعذر على الشخص الواحد العمل لسلامتها، فكان من مقتضى ثقل أعبائها أو كرة شُعَبها أن يمد إليه أشخاص آخرون أيديهم ليتعاون الجميع على حفظ دين، أو نفس، أو عرض، أو عقل، أو نسل، أو مال.
ومن المعلوم الماثل أمام كل من تفقَّه في الدين: أن الإسلام قد راعى عجز الأفراد عن القيام بكثير من المصالح الخاصة أو العامة، فأمر بالتعاون على وجه عام، ثم أقام كثيراً من أحكامه وآدابه على القاعدة التي ينتظم بها العمران، وتخف بها متاعب الحياة.
أما الأمر بالتعاون على وجه عام، فمن شواهده قوله تعالى:{وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}[المائدة: ٢].
يتناول التعاون على البر والتقوى: المؤازرة في كل عمل ينتج عنه الخير، سواء كان القائم به فرداً، أم جماعة، وسواء كان الخير عائداً إلى فرد، أم إلى جماعة، أم إلى أمة، ولا فرق في أصل طلب التعاون بين أن يكون الخير من مصالح الحياة الدنيا التي أذنت الشريعة بإقامتها، وأن يكون من وسائل السعادة في الأخرى.
فمن التعاون على البر والتقوى: أن يقوم الرجل للصلاة، فتناوله وضوءاً، أو تهيئ له مصلَّى.
ومن التعاون على البر والتقوى: أن ينهض القوم لإعلاء كلمتهم بنحو بناء المدارس، أو المستشفيات، أو الملاجع، أو إقامة مصانع تسد جانباً من حاجاتهم المدنية، فتبذل في إسعادهم ما تستطيع من قوة.
ويدخل في الإِثم والعدوان: كل عمل يعطل شريعة من شرائع الدين،