صنع، ولما قال عمر عندما رأى الناس في صلاة التراويح:"نعم البدعة هذه" لم يرد البدعة المقابلة للسنّة، وهي إحداث أمر في الدين ليس من الدين في شيء، وإنما سماها بدعة؛ نظراً إلى أنه استؤنف العمل بها بعد أن تركها النّبي - صلى الله عليه وسلم -، وانقطع الناس عنها مدة، فكان لها شبه بما استحدث بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - من الأعمال التي لم توجد في عهد النبوة.
ولم يصنع أبو بكر ما صنع عمر من إحياء هذه السنة؛ لكثرة ما كان يشغله من مهام الأمور؛ كقتال أهل الردة، مع قصر مدة خلافته، إذ كانت سنتين وثلاثة أشهر وعشرة أيام.
وتضمن الحديث:"إلا أني خشيت أن تفرض عليكم": أن علة عدم خروجه - عليه الصلاة والسلام - لصلاة التطوع في الليلة الثالثة أو الرابعة هي خوفه من أن تفرض عليهم، وإنما جاء الخوف من جهة توقعه - عليه الصلاة والسلام - أن يكون إظهارهم المقدرة على إقامة هذه الصلاة في المسجد جماعة سبباً لفرضها عليهم، ثم يجدون بعد فرضها عليهم مشقة فادحة، فيعجزون عنها، فلم يشأ أن يقع منهم ما يحتمل أن يكون سبباً لفرض صلاة أخرى عليهم في رمضان، فنبههم لترك إقامتها جماعة في المسجد؛ حذراً من أن يكون سبباً لفرضها.
وشرعُ الأحكام يكون من الله ابتداء؛ حفظاً للمصالح التي تترتب على الفعل نفسه، وقد يبنى أمر التكليف على رعاية عمل يأخذ به المكلفون أنفسهم، ويظهرون أنهم قادرون على القيام به من غير تكلف، فيفرض الله عليهم ذلك العمل على وجه الابتلاء، حتى إذا عظمت عليهم مشقته، وأدركوا أن الله لم يوجبه عليهم ابتداء رحمةً بهم، خفف عنهم، وعاد بهم إلى أصل