وهو الشهر الذي جعل مظهراً لأحد أركان الإسلام الخمسة -أعني: الصيام -، وللصيام آثار مشهودة في ارتياض النفوس الجامحة، وتمرينها على الخلق العظيم؛ كالصبر، والعفاف، والسخاء، على ما هو مبسوط في الكتب التي عُنيت بالبحث عن أسرار التشريع.
وهو الشهر الذي تزداد فيه الأرصل صفاء من كثرة الإِقبال على الطاعات، وكذلك كان يفعل النبي - صلى الله عليه وسلم - والمؤمنون الصادقون.
وهذه المعاني السامية -التي حاز بها رمضان فضلاً وملاحةً- جديرة بأن يكون لنا فيها مأخذ عبرة، وموضع قدوة، فنتجه بعزيمة نافذة إلى الدعوة إلى الخير، والذود عن الحق، ومكافحة الباطل والبغي، والطموح إلى العزة، والرسوخ في الأخلاق السنية، والأخذ بوسائل المنعة، والعيش في حرية وطمأنينة، والتنافس في حسن الطاعة للخالق -جلّ شأنه-.
وغفل بعض الناس عن هذه المعاني المنبئة أن رمضان شهر العمل لكمال الإنسانية، وحسبوه شهر عبادة لا تتجاوز الإِمساك عن الأكل والشرب بياضَ النهار، فلم يبالوا بعدَ هذا الإِمساك أن يشغلوا أوقاتهم النفيسة بما لا يقربهم من الفلاح شبراً، ولا يرفع لأمتهم ذكراً:
شهرُ صومٍ وجهادٍ والفتى ... إن رمى عن قوس رشد لا يُبارى
أنِّب النفسَ إذا هَمَّتْ بأن ... تقضيَ اليوم كما يقضي السُّكارى
إنما الحازمُ من صام ولو ... لمح العزةَ في النجم لطارا
هممٌ يختطّها الفكر دُجىً ... ويدُ الإصلاحِ تَبنيها نهارا (١)