وكان هذا الوزير من رجال العلم، فانتخبت الدولة خمسة وثلاثين عالماً، وعينتهم للتدريس بهذا الجامع، وأنشأت لهم منازل حول الأزهر، وكانوا يحضرون يوم الجمعة، ويدرسون بعد الصلاة: الفقه، والعقائد، وفنون الأدب.
ولما قضى صلاح الدين الأيوبي على الدولة الفاطمية، وكان قاضي القضاة بدولته صدر الدين عبد الملك بن درباس شافعيَّ المذهب، أمر بأن لا تقام الجمعة في مساجد متعددة، وقصر الخطبة على جامع الحاكم؛ إذ كان أوسع جامع بالقاهرة، وبقي الأزهر عاطلاً من صلاة الجمعة إلى أن جاءت دولة الملك الظاهر بيبرس، فعُني أحد أمرائها هو عز الدين أيدمر الحلي بعمارة الأزهر، فأصلح ما اختل من مبانيه، وأعاد إليه صلاة الجمعة في ١٨ ربيع الأول سنة ٦٦٥ هـ، وأقام لذلك حفلة حضرها رجال الدولة، وأعيان الأمة.
وما زال الأمراء والسلاطين، والكرام من ذوي اليسار يبسطون أيديهم بالإنفاق على الأزهر، ويقفون عليه الأوقاف بسخاء، وكثير منهم يعملون لترقية شأنه من حيث هو جامعة دينية علمية، حتى أصبح منذ عهد بعيد معهداً عامراً بدراسة العلوم الشرعية والعربية، ومجالس الوعظ.
وما فتئ هذا الجامع المورد الذي يؤمه طلاب العلم من كل ناحية، حتى أنشئت له شعب في القطر المصري هي: معهد الإسكندرية، ومعهد طنطا، ومعهد أسيوط، ومعهد الزقازيق، ومعهد دمياط، ومعهد دسوق.
وكان في إنشاء هذه المعاهد تيسير على طلاب العلم من سكان هذه البلادة حتى لا يحتملوا كلفة المقام في القاهرة إلا حيث يتأهلون لدراسة الكتب العالية في نفس الأزهر الشريف، وفي هذه المعاهد مظاهر تجعل الشعور الديني